باب ما جاء في
إتيان السحرة والمشعوذين
لفضيلة الشيخ عبد
الله بن عبد الرحمن بن جبرين
الجزء الثاني
بسم الله الرحمـــن
الرحيم
حكم إتيان الكهان
ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم
الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما
بعد:
فقد شاع بين كثير
من "الناس أن هناك من يتعلق بالكهان والمنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم، لمعرفة
المستقبل والحظ وطلب الزواج. والنجاح في الامتحان وغير ذلك من الأمور التي اختص الله
سبحانه وتعالى بعلمها كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ
أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ
وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} وقال سبحانه: :{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.
فالكهان والعرافون
والسحرة وأمثالهم قد بين الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ضلالهم وسوء
عاقبتهم في الآخرة وأنهم لا يعلمون الغيب، وإنما يكذبون على الناس ويقولون على الله
غير الحق وهم يعلمون، قال تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ
كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ
فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ
الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ
وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ
مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ
كَانُواْ يَعْلَمُونَ}، وقال سبحانه: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ
السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}، وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ
فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ}.
فهذه الآيات وأمثالها
تبين خسارة الساحر وما له في الدنيا والآخرة وأنه لا يأتي بخير وأن ما يتعلمه أو يعلمه
غيره يضر صاحبه ولا ينفعه، كما نبه سبحانه أن عملهم باطل، وصح عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال:" اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال:
الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم
والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" متفق على صحته.
وهذا يدل على عظم
جريمة السحر لأن الله قرنه بالشرك، وأخبر أنه من الموبقات وهي المهلكات، والسحر كفر
لأنه لا يتوصل إليه إلا بالكفر، كما قال تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى
يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}، وقد روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال:"حد الساحر ضربة بالسيف".
وصح عن أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بقتل بعض السحرة من الرجال والنساء، وهكذا صح عن
جندب الخير الأزدي رضي الله عنه أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل بعض السحرة،
وصح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت، وعن
عائشة رضي الله عنها قالت: سأل أناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال:
"ليسوا بشيء، فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه
فيخلطوا معها مائة كذبة " رواه البخاري.
وقال صلى الله
عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد
اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد" ، رواه أبو داود وإسناده صحيح، وللنسائي عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عقد عقدة ثم نفث
فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعليق شيئا وكل إليه " ، وهذا يدل على أن السحر
شرك بالله تعالى كما تقدم؛ وذلك لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن والتقرب إليهم
بما يطلبون من ذبح وغيره من أنواع العبادة، وعبادتهم شرك بالله عز وجل.
فالكاهن من يزعم
أنه يعلم بعض المغيبات وأكثر ما يكون ذلك ممن ينظرون في النجوم لمعرفة الحوادث أو يستخدمون
من يسترقون السمع من شياطين الجن، كما ورد بالحديث الذي مر ذكره ومثل هؤلاء من يخط
في الرمل أو ينظر في الفنجان أو في الكف ونحو ذلك، وكذا من يفتح الكتاب زعما منهم أنهم
يعرفون بذلك علم الغيب وهم كفار بهذا الاعتقاد، لأنهم بهذا الزعم يدعون مشاركة الله
في صفة من صفاته الخاصة وهي علم الغيب، ولتكذيبهم بقوله تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ
مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}، وقوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ
الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُل
لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ
لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}الآية.
ومن أتاهم وصدقهم
بما يقولون من علم الغيب فهو كافر، لما رواه أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما
يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" ، وروى مسلم في صحيحه عن
بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أتى
عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" ، وعن عمران بن حصين رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن
أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
صلى الله عليه وسلم " رواه البزار بإسناد جيد.
وبما ذكرنا من
الأحاديث يتبين لطالب الحق أن علم النجوم وما يسمى بالطالع وقراءة الكف وقراءة الفنجان
ومعرفة الخط وما أشبه ذلك مما يدعيه الكهنة والعرافون والسحرة كلها من علوم الجاهلية
التي حرمها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها
والتحذير من فعلها أو إتيان من يتعاطاها وسؤاله عن شيء منها أو تصديقه فيما يخبر به
من ذلك لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به.
ونصيحتي لكل من
يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره وأن يعتمد على الله وحده ويتوكل عليه
في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة، وأن يدع هذه الأمور الجاهلية
ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحفاظا
على دينه وعقيدته، وحذرا من غضب الله عليه، و ابتعادا عن أسباب الشرك والكفر التي من
مات عليها خسر الدنيا والآخرة. نسأل الله العافية من ذلك ونعوذ به سبحانه من كل ما
يخالف شرعه أو يوقع في غضبه، كما نسأله سبحانه أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه
والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه
ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
من يطلب اسم المريض
واسم والدته فهو ممن يستخدم الجن
سؤال: هناك فئة
من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم وحينما أتيت إلى أحدهم قال لي: اكتب
اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غدا، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: إنك مصاب
بكذا وكذا وعلاجك
كذا وكذا.. ويقول أحدهم إنه يستعمل كلام الله في العلاج فما رأيكم في مثل هؤلاء وما
حكم الذهاب إليهم؟
الجواب: من كان
يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن ويدعي علم المغيبات فلا يجوز
العلاج عنده كما لا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا
الجنس من الناس: "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"
أخرجه مسلم في صحيحه.
وثبت عنه صلى الله
عليه وسلم في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكهان والعرافين والسحرة والنهي عن سؤالهم
وتصديقهم وقال صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما
أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "، وكل من يدعي علم الغيب باستعمال ضرب الحصى
أو الودع أو التخطيط في الأرض أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه أو اسم أقاربه فكل ذلك
دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالهم وتصديقهم.
فالواجب الحذر
منهم ومن سؤالهم ومن العلاج عندهم وإن زعموا أنهم يعالجون بالقرآن لأن من عادة أهل
الباطل التدليس والخداع فلا يجوز تصديقهم فيما يقولون والواجب على من عرف أحدا منهم
أن يرفع أمره إلى ولاة الأمر من القضاة والأمراء ومراكز الهيئات في كل بلد حتى يحكم
عليهم بحكم الله وحتى يسلم المسلمون من شرهم وفسادهم وأكلهم أموال الناس بالباطل.
والله المستعان
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حكم الذهاب للكهان
ونحوهم لتلقي العلاج وتصديقهم
سؤال القارئ: ف.
ع. ع. من الرياض بعث إلينا سؤالا يقول فيه: كان والدي مريضا مرضا نفسيا وطالت معه مدة
المرض وتخلل ذلك مراجعة للمستشفى لكن أشار علينا بعض الأقرباء بأن نذهب إلى امرأة قالوا:
إنها تعرف علاجا لمثل هذه الأمراض وقالوا أيضا:
أعطوها الاسم فقط
وهي تخبركم بما فيه وتصف له الدواء، فهل يجوز لنا أن نذهب لهذه المرأة أفيدونا جزاكم
الله خيرا؟
الجواب: هذه المرأة
وأشباهها لا يجوز سؤالها ولا تصديقها لأنها من جملة العرافين والكهنة الذين يدعون علم
الغيب ويستعينون بالجن في علاجهم وأخبارهم.
وقد صح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة
أربعين يوما" أخرجه مسلم في صحيحه وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه
وسلم"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب الإنكار
على هؤلاء ومن يأتيهم وعدم سؤالهم وتصديقهم والرفع عنهم إلى ولاة الأمور حتى يعاقبوا
بما يستحقون لأن تركهم وعدم الرفع عنهم يضر المجتمع ويساعد على اغترار الجهال بهم وسؤالهم
وتصديقهم.
وقال قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن
لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم في صحيحه. ولا شك أن الرفع عنهم
إلى ولاة الأمر كأمير البلد وهيئة الأمر بالمعروف والمحكمة من جملة الإنكار عليهم باللسان
ومن التعاون على البر والتقوى، وفق الله المسلمين جميعا لما فيه صلاحهم وسلامتهم من
كل سوء.
حكم السحر والكهانة
وما يتعلق بها
الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فنظرا لكثرة المشعوذين
في الآونة الأخيرة ممن يدعون الطب ويعالجون عن طريق السحر أو الكهانة وانتشارهم في
بعض البلاد واستغلالهم للسذج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل- رأيت من باب النصيحة لله
ولعباده أن أبين ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين لما فيه من التعلق بغير
الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
فأقول مستعينا
بالله تعالى: يجوز التداوي اتفاقا، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراض باطنية أو جراحية
أو عصبية أو نحو ذلك ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعا حسبما
يعرفه في علم الطب، لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية ولا ينافي التوكل على الله،
وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله،
ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم.
فلا يجوز للمريض
أن يذهب إلى الكهنة الذين يدعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن
يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجفا بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم
على ما يريدون، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال إذا ادعوا علم الغيب، وقد روى مسلم في صحيحه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة
أربعين يوما" ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من أتى كاهنا فصدقه كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أبو
داود وخرجه أهل السنن الأربع وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:
"من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه
وسلم " ، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا
فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه البزار بإسناد جيد.
ففي هذه الأحاديث
الشريفة النهي عن إتيان العرافين، والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد
على ذلك، فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان
الكهان والعرافين ونحوهم ومنع من يتعاطى شيئا من ذلك في الأسواق وغيرها والإنكار عليهم
أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور ولا
بكثرة من يأتي إليهم من الناس فإنهم جهال لا يجوز التأسي بهم، لأن الرسول صلى الله
عليه وسلم قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر
الجسيم والعواقب الوخيمة ولأنهم كذبة فجرة.
كما أن في هذه
الأحاديث دليلا على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، ولأنهما
لا يتوصلان إلى مقصدهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله وذلك كفر بالله وشرك به
سبحانه والمصدق لهم في دعواهم على الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها
فقد برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجا
كنمنمتهم بالطلاسم أو صب الرصاص ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة
والتلبيس على الناس ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم.
كما لا يجوز أيضا
لأحد من المسلمين أن يذهب إليهم ليسألهم عمن سيتزوج ابنه أو قريبه أو عما يكون بين
الزوجين وأسرتيهما من المحبة والوفاء أو العداوة والفراق ونحو ذلك لأن هذا من الغيب
الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، والسحر من المحرمات الكفرية كما قال الله عز
وجل في شأن الملكين في سورة البقرة: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ
إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ
بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ
اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ
اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ
لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}.
فدلت هذه الآية
الكريمة على أن السحر كفر وأن السحرة يفرقون بين المرء وزوجه كما دلت على أن السحر
ليس بمؤثر لذاته نفعا ولا ضرا وإنما يؤثر بإذن الله الكوني القدري لأن الله سبحانه
وتعالى هو الذي خلق الخير والشر، ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين
ورثوا هذه العلوم عن المشركين ولبسوا بها على ضعفاء العقول فإنا لله وإنا إليه راجعون
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
كما دلت الآية
الكريمة على أن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم وأنه ليس لهم
عند الله من خلاق أي (من حظ ونصيب) وهذا وعيد عظيم يدل على شدة خسارتهم في الدنيا والآخرة
وأنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان، ولهذا ذمهم الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله:
{وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}، والشراء هنا
بمعنى البيع.
نسأل الله العافية
والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين كما نسأله سبحانه أن يقي المسلمين شرهم
وأن يوفق حكام المسلمين للحذر منهم وتنفيذ حكم الله فيهم حتى يستريح العباد من ضررهم
وأعمالهم الخبيثة إنه جواد كريم.
وقد شرع الله سبحانه
لعباده ما يتقون به شر السحر قبل وقوعه وأوضح لهم سبحانه ما يعالج به بعد وقوعه رحمة
منه لهم وإحسانا منه إليهم وإتماما لنعمته عليهم، وفيما يلي بيان للأشياء التي يتقى
بها خطر السحر قبل وقوعه والألف التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور المباحة شرعا.
أما ما يتقى به
خطر السحر قبل وقوعه فأهم ذلك وأنفعه هو التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والتعوذات
المأثورة ومن ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام
ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه:
{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ
نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ
إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ
بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
ومن ذلك قراءة{قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ
النَّاسِ}، خلف كل صلاة مكتوبة وقراءة السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة
الفجر وفي أول الليل بعد صلاة المغرب، ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في
أول الليل وهما قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ
بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}إلى آخر السورة.
وقد صح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله
حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح " ، وصح عنه أيضا صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " ، والمعنى والله أعلم
كفتاه من كل سوء.
ومن ذلك الإكثار
من التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، في الليل والنهار وعند نزول أي منزل في
البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نزل منزلا
فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يفره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك
" ، ومن ذلك أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث مرات: "بسم الله
الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " لصحة الترغيب
في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء.
وهذه الأذكار والتعوذات
من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان وثقة
بالله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه، وهي أيضا من أعظم السلاح لإزالة السحر
بعد وقوعه مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس.
ومن الأدعية الثابتة
عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره- وكان صلى الله عليه وسلم يرقي
بها أصحابه-: "اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء
لا يغادر سقما" يقولها ثلاثا ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلى الله
عليه وسلم وهي قوله: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد
الله يشفيك بسم الله أرقيك " وليكرر ذلك ثلاث مرات.
ومن علاج السحر
بعد وقوعه أيضا وهو علاج نافع للرجل إذا حبس من جماع أهله أن يأخذ سبع ورقات من السدر
الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل ويقرأ
فيها آية الكرسي و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}،
و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، وآيات السحر
التي في سورة الأعراف وهي قوله سبحانه{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ
فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ}، والآيات في سورة يونس
وهي قوله سبحانه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * فَلَمَّا
جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ * فَلَمَّا
أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ
اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}، والآيات التي في سورة طه: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا
أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا
حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ
فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ
مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ
السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}.
وبعد قراءة ما
ذكر في الماء يشرب منه ثلاث مرات ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن شاء الله وإن
دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء، ومن علاج السحر أيضا وهو
من أنفع علاجه بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك، فإذا عرف
واستخرج وأتلف بطل السحر، هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي يتقى بها السحر ويعالج
بها والله ولي التوفيق.
وأما علاجه بعمل
السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز لأنه من عمل
الشيطان بل من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة
والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون لأنهم لا يؤمنون ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم
الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم
كما سبق بيان ذلك في أول هذه الرسالة.
وقد صح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النشرة فقال: "هي من عمل الشيطان " رواه
الإمام أحمد وأبو داود بإسناد جيد، والنشرة هي حل السحر عن المسحور، ومراده صلى الله
عليه وسلم بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية وهي سؤال الساحر ليحل السحر
أو حله بسحر مثله من ساحر آخر.
أما حله بالرقية
والمتعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس بذلك كما تقدم، وقد نص على ذلك العلامة
ابن القيم والشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد رحمة الله عليهما، ونص على ذلك أيضا
غيرهما من أهل العلم.
والله المسئول
أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء وأن يحفظ عليهم دينهم ويرزقهم الفقه فيه والعافية
من كل ما يخالف شرعه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
حكم تعلم الحساب
والفلك وهل هو من التنجيم
سؤال: هل يعتبر
من التنجيم معرفة أمور حساب السنين والشهور والأيام ومعرفة توقيت المطر والزرع ونحو
ذلك؟
الجواب: ليس هذا
من التنجيم وإنما هو من العلم المباح، وقد خلق الله الشمس والقمر لمعرفة الحساب، قال
تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ
لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}، وهذا ما يسمى بعلم التسيير قال الخطابي:
أما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والخبر الذي يعرف به الزوال وتعلم جهة القبلة
فإنه غير داخل فيما نهي عنه.. والله أعلم.
وكذلك الاستدلال
بالنجوم على معرفة الجهات لا بأس به، قال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}،
قال ابن رجب: وأما علم التسيير فتعلم يحتاج إليه للاهتداء ومعرفة القبلة والطرق جائز
عند الجمهور وما زاد عليه لا حاجة إليه لشغله عما هواهم منه.
قال البخاري في
صحيحه: قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى
بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به.
قال الشيخ سليمان
بن عبد الله: هذا مأخوذ من القرآن في قوله {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ}، وقوله تعالى: {وَعَلامَاتٍ
وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}، وقوله: {وَعَلامَاتٍ} أي دلالات على الجهات والبلدان.
وأما معرفة توقيت
المطر فهذا لا يمكن لأن معرفة وقت نزول المطر من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وربط
نزول المطر بأحوال النجوم هذا هو الاستسقاء بالأنواء وهو من أمور الجاهلية.
وأما معرفة وقت
بذار الزروع فهذا يرجع إلى معرفة الفصول وهو علم يدرك بالحساب.. والله أعلم.
حكم الذبح لغير
الله بقصد الشفاء
سؤال: بعض الناس
حينما يصاب لهم قريب أو عزيز يذهبون به إلى شخص يسمونه "الطبيب الشعبي "
وحينما يؤتى بالمريض إلى هذا الطبيب يسرد لولي المريض جملة من الأمراض ويؤكد بأن هذا
المريض لن يشفى إلا إذا ذبح له حيوان معين لا يذكر اسم الله عليه ويدفن بعد ذلك في
مكان يحدده.
هل إذا فعل الإنسان
ذلك طلبا للشفاء غير قاصد الشرك يكون آثما، وهل يعتبر ذلك من الشرك الأكبر ثم ما تأثير
الذبح لغير الله عموما على عقيدة المسلم؟
الجواب: الذبح
لغير الله من أجل شفاء المريض أو لغير ذلك من الأغراض شرك أكبر لأن الذبح عبادة قال
تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ
أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} فأمر سبحانه بأن يكون الذبح لله وحده وقرنه
مع الصلاة كما أمر سبحانه بالأكل مما يذكر اسم الله عليه من الذبائح ونهى عن الأكل
مما لم يذكر اسم الله عليه، قال تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ
إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ}، إلى قوله تعالى:{وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}.
فالذبح لغير الله
شرك أكبر لأي غرض من الأغراض سواء كان لأجل شفاء المريض كما يزعمون أو لغير ذلك من
الأغراض، وهذا الذي يأمر أقارب المريض بأن يذبحوا ذبيحة لا يذكرون اسم الله عليها مشعوذ
يأمر بالشرك فيجب إبلاغ ولاة الأمور عنه ليأخذوا على يديه ويريحوا المسلمين من شره.
والله سبحانه وتعالى
جعل لنا أدوية مباحة يعالج بها المرضى وذلك بأن نذهب إلى الأطباء والمستشفيات ونعالج
بالعلاج النافع المباح. وكذلك شرع الله سبحانه لنا الرقية بكتابه بأن نقرأ على المريض
من كتاب الله وندعو الله له بالشفاء بالأدعية الواردة.
وفي هذا كفاية
للمؤمن {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}،
أما هؤلاء المشعوذون فإنهم كذابون دجالون يريدون إفساد عقائد المسلمين وأكل أموال الناس
بالباطل فلا يجوز تركهم يعبثون بالناس ويضلونهم بل يجب ردعهم وكف شرهم.
أما تركهم فإنه
من أعظم المنكر والفساد في الأرض، ويجب على المسلم المحافظة على عقيدته فلا يعالج جسمه
بما يفسد دينه وعقيدته ولا يذهب إلى هؤلاء المشبوهين والدجالين، وإذا كانوا يخبرون
الناس عن الأشياء الغائبة فهم كهان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى
كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد
وأبو داود والترمذي.
الفرق بين السحر
والكهانة والتنجيم والعرافة وحكم كل منها
سؤال: السحر والكهانة
والتنجيم والعرافة هل بينهما اختلاف في المعنى وهل هي سواء في الحكم؟
الجواب: السحر:
عبارة عن عزائم ورقى وعقد يعملها السحرة بقصد التأثير على الناس بالقتل أو الأمراض
أو التفريق بين الزوجين وهو كفر وعمل خبيث ومرض اجتماعي شنيع يجب استئصاله وإزالته
وإراحة المسلمين من شره. والكهانة: ادعاء علم الغيب بواسطة استخدام الجن، قال الشيخ
عبد الرحمن ابن حسن في فتح المجيد: وأكثر ما يقع في هذا ما يخبر به الجن أولياءهم من
الإنس عن الأشياء الغائبة بما يقع في الأرض من الأخبار فيظنه الجاهل كشفا وكرامة. وقد
اغتر بذلك كثير من الناس يظنون المخبر بذلك عن الجن وليا لله وهو من أولياء الشيطان.
انتهى.
ولا يجوز الذهاب
إلى الكهان، روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى
عرافا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول لم تقبل صلاة أربعين يوما " ، وعن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه
بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوما" ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
صلى الله عليه وسلم "، رواه أبو داود، ورواه أحمد والترمذي، وروى الأربعة والحاكم
وقال: صحيح على شرطهما: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل
على محمد صلى الله عليه وسلم".
قال البغوي: والعراف
هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة، وقيل هو الكاهن.
وقال شيخ الإسلام
ابن تيمية: العراف اسم للكاهن والمنجم والرحال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه
الطرق. انتهى.
والتنجيم: هو الاستدلال
بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية وهو من أعمال الجاهلية وهو شرك أكبر إذا اعتقد
أن النجوم تتصرف في الكون.
الطريقة التي سحر
بها صلى الله عليه وسلم وتصرفه حيال ذلك
سؤال: هل ثبت أن
النبي صلى الله عليه وسلم سحر وإذا ثبت ذلك فكيف كان تعامله صلى الله عليه وسلم مع
السحر ومع من سحره؟
الجواب: نعم ثبت
أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
سحر حتى ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله وأنه قال لها ذات يوم: "أتاني ملكان
فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال: ما وجع الرجل، قال: مطبوب، قال: ومن طبه،
قال: لبيد بن الأعصم في مشط ومشاطة جف طلعة ذكر في بئر ذروان "، صحيح البخاري
7/ 28- 30.
قال الإمام ابن
القيم: وقد أنكر هذا طائفة من الناس وقالوا: لا يجوز هذا عليه وظنوه نقصا وعيبا. وليس
الأمر كما زعموا بل هو من جنس ما كان يؤثر فيه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع
وهو مرض من الأمراض وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما.
وذكر رحمه الله
عن القاضي عياض أنه قال: ولا يقدح في نبوته وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم
يفعله فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه لقيام الدليل والإجماع على عصمته
من هذا، وإنما هو مما يجوز طروؤه عليه في أمور دنياه التي لم يبعث لسببها ولا فضل من
أجلها وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة
له ثم ينجلي عنه كما كان. انتهى.
ولما علم صلى الله
عليه وسلم أنه قد سحر سأل الله تعالى فدله على مكان السحر فاستخرجه وأبطله فذهب ما
به حتى كأنما نشط من عقال ولم يعاقب صلى الله عليه وسلم من سحره بل لما قالوا له: يا
رسول الله: أفلا نأخذ الخبيث نقتله، قال صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فقد شفاني
الله وأكره أن يثير على الناس شرا "صحيح البخاري 7/30.
حقيقة السحر وأنه
لا يباح منه شيء
سؤال: نرجو إيضاح
حقيقة السحر وهل يباح شيء منه وهل يعتبر عمل السحر مخرجا عن دين الإسلام؟
الجواب: السحر
في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه، وحقيقة السحر كما بينها الموفق في الكافي عبارة
عن عزائم ورقى وعقد يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه. والسحر
كله حرام لا يباح شيء منه قال الله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا
لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ}، أي ليس له نصيب.
وقال الحسن: ليس
له دين وهذا يدل على تحريم السحر وكفر متعاطيه وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من
السبع الموبقات، ويجب قتل الساحر، قال الإمام أحمد رحمه الله: قتل الساحر عن ثلاثة
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي صح قتل الساحر عن ثلاثة من الصحابة وهم عمر وحفصة
وجندب رضي الله عنهم، فعمل السحر تعلما وتعليما واحترافا؛ كفر بالله يخرج من الملة
ويجب قتل الساحر لإراحة الناس من شره إذا ثبت أنه ساحر؛ لأنه كافر ولأن شره يتعدى إلى
المجتمع.
حكم الذهاب للكهنة
لعمل السحر وقتل الحيوانات بالتعذيب
سؤال: قبل أن أهتدي
وأداوم على الصلوات في أوقاتها وقراءة القرآن الكريم ذهبت إلى إحدى الساحرات وطلبت
مني أن أخنق دجاجة لكي تعمل لي حجابا تربطني بزوجي لأنه كان يوجد دائما مشكلات بيني
وبينه وقد خنقت الدجاجة فعلا بيدي فهل علي في فعل هذا إثم وماذا أفعل حتى أخلص من هذا
الخوف الذي يراودني والقلق؟
الجواب: أولا:
الذهاب إلى الساحرات حرام شديد التحريم لأن السحر كفر وإضرار بعباد الله عز وجل فالذهاب
إليهم جريمة كبيرة وما ذكرت أنك خنقت الدجاجة جريمة أخرى لأن هذا فيه تعذيب للحيوان
وقتل للحيوان بغير حق وتقرب إلى غير الله بهذا العمل فيكون شركا ولكن ما دمت قد تبت
إلى الله سبحانه وتعالى توبة صحيحة فما سبق منك يغفره الله سبحانه وتعالى ولا تعودي
إليه في المستقبل والله تعالى يغفر لمن تاب.
ولا يجوز للمسلمين
أن يتركوا السحرة يزاولون سحرهم بين المسلمين بل يجب الإنكار عليهم ويجب على ولاة أمور
المسلمين قتلهم وإراحة المسلمين من شرهم.
شرح قول ابن كثير
عن السحر في تفسيره
سؤال: جاء في تفسير
ابن كثير (ج 1، ص 147) ما يلي:
وأما أهل السنة
فقد جوزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء ويقلب الإنسان حمارا والحمار إنسانا، إلا
أنهم قالوا: إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة فأما
أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلاقا للفلاسفة والمنجمين. فهل معنى هذا
أنه يمكن أن يتسلط الساحر على إنسان فيقلبه إلى حيوان أو العكس وهل حصل مثل ذلك من
قبل؟
الجواب: هكذا ذكر
ابن كثير رحمه الله وكذا ذكره قبله ابن جرير فأما الطيران في الهواء والمشي على الماء
فقد ذكره بعض السلف قبلهما وهو دليل على أنه يمكن ذلك حيث إن الشياطين ومردة الجن يخدمون
الساحر وقد يتلبسون به ومعلوم أن الجن لهم القدرة على التشكل بأشكال متنوعة فلا يستبعد
أن يتلبسوا بإنسان ويصوره بصورة حمار أو طير أو وحش ونحو ذلك وفي حكايات العامة الشيء
الكثير من قلب الإنسان حيوانا وطيرا أو نحو ذلك ولكنه لا يكون إلا بقدرة الله تعالى
وإرادته الكونية القدرية كما قال تعالى:{وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ
بِإِذْنِ اللّهِ}، وهذا خلافا لما تزعمه الفلاسفة والمعتزلة من إنكار ذلك وادعائهم
أن الساحر يقدر على التخييل والشعوذة والصحيح الأول والله على كل شيء قدير، والله أعلم.
حكم من سأل العراف
دون أن يعلم أنه عراف
سؤال: جاء في الحديث
عنه صلى الله عليه وسلم "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما"
رواه مسلم، فهل هذا يشمل من سأله دون أن يعلم أنه عراف؟
الجواب: إذا سأله
وهو لا يعرف أنه عراف فلا يدخل في الحديث لكن إذا سأله عن شيء من الأمور المغيبة التي
لا يعلمها إلا الله مثل مكان السحر وعن الساحر وعن المسروق والسارق ومكان الضالة ونحوه
فهو لابد أنه يعتقد فيه علم الغيب فيدل على أنه يعرف أنه ساحر أو كاهن أو عراف فيدخل
في الحديث ويعمه الوعيد.
أما إن سأله يظن
جواز سؤاله ولم يعرف أنه حرام فهذا معذور لجهله وكذلك من لم يعرف أنه كاهن فسأله عن
أمر عادي كمنزل فلان وسعر هذه السلعة ومالك هذه الدار فلا يدخل في الوعيد، والله أعلم
.
السحر من عمل الشيطان
ومن يتعامل به مشرك
سؤال: عن امرأة
ساحرة تعمل السحر، وقد تضرر رمنها أناس كثير، فما الواجب نحو هذه المرأة الساحرة؟ وعن
كيفية التخلص من هذا السحر؟
الجواب: السحر
هو عمل شيطاني، حيث يتقرب الساحر إلى الجن بالذبح لهم، أو دعائهم من دون الله، أو ترك
الصلاة، أو أكل النجاسات ونحو ذلك، حتى تخدمه الشياطين ومردة الجن، فيلابسون من يريده،
ويقتلون ويعوقون ويعقدون الرجل عن امرأته، ويصرفون أحدهما عن الآخر ونحو ذلك.
وعلى هذا فالساحر
مشرك كافر، لأجل تقربه إلى غير الله بهذه الأعمال الكفرية، فلذلك ورد الأمر بقتله،
وثبت ذلك عن عمر بن الخطاب، وبنته حفصة، وجندب رضي الله عنهم.
وعلى ما ذكرنا
فلا يجوز ترك هذه المرأة التي اشتهرت بعمل السحر، فإن كان لديكم بينات وقرائن، فارفعوا
أمرها وبما حصل منها من الأضرار، حتى تقتل ويستريح الناس من شرها، وعلى رب الأسرة السعي
في إزالة ضرر هذه المرأة، ولو كانت والدته، حيث إن هذا العمل كفر بالله، وضرر على عباد
الله، ومتى قتلت انزجر غيرها، وامتنعوا عن مثل هذا العمل الشيطاني.
فإن امتنعوا كلهم
من تغيير الحال، ورضوا عن هذه العجوز، وتركوها على هذا الأمر، فإنك أنت مسؤول عما تعرف
عنها، فاحرص على إثبات الوقائع التي خضلت منها، واثبت ما تقدر عليه من القرائن والبينات
وما يعرفه عنها الجيران والأهلون، ومتى حصلت على المعلومات الكافية فارفعها إلى المحكمة
الشرعية، ليجري فيها حكم الله تعالى، وهو العمل بحديث: "حد الساحر ضربة بالسيف
".
ولا يحق لك أن
تقيم على هذه الحال التي تعاني فيها هذه الأضرار، وبعد ذلك نوصيك:
أولا: بالتحصن
بكثرة ذكر الله وقراءة القرآن، واستعمال الأوراد في الصباح والمساء، وذلك مما يحفظك
الله من الجن والسحرة.
ثم نوصيك ثانيا:
بعلاج ما أصابك بالرقية الشرعية، عن القراء المعروفين ة باستعمال كلام الله وكلام رسوله
صلى الله عليه وسلم، والأدوية الشرعية، وهم يرون في البلاد، وقد نفع الله بهم من أراد
الله به خيرا، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
هل السحر حق
سؤال: هل السحر
حق؟
الجواب: نعم له
حقيقة، وحقيقته أن السحرة يعبدون الشياطين ويطيعونهم وهم يساعدونهم على ما يريدون والله
تعالى قد أعطى الشياطين من القدر يزاولون به أعمالا غريبة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ