باب ما جاء في
الجن
لفضيلة الشيخ عبد
الله بن عبد الرحمن بن جبرين
الجزء الأول
بسم الله الرحمـــن
الرحيم
وساوس الشيطان
وما ينبغي فعله حيال ذلك
سؤال: في بعض الأحيان
يأتي الشيطان للإنسان، ويوسوس في نفسه في ذات الله، وفي آياته الكونية، فما الذي ينبغي
على الإنسان حيال ذلك؟
الجواب: سئل النبي
صلى الله عليه وسلم عن هذا، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: "جاء ناس من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم
به!، قال: وقد وجد تموه؟! قالوا: نعم! قال: ذلك صريح الإيمان ". وفيه أيضا عن
عبد الله بن مسعود قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، قال: تلك محض
الإيمان ".
وعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس يتساءلون
حتى يقال: هذا خلق الله، فمن خلق الله؟! فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله".
وعنه أيضا قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ حتى
يقول له: من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته " . وعنه أيضا قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول
الله، فيقول: من خلق الخلق؟ فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك، فليقل: آمنت بالله ورسله
" .
وفي سنن أبي داود
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم
به، فقال: " الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة".
ففي هذه الأحاديث
وغيرها بيان أن هذه الأفكار التي قد تطرأ على الإنسان في الأمور الغيبية، أنها وسوسة
من الشيطان ليوقعه في الشك والحيرة والعياذ بالله. ثم إن الإنسان إذا وقع في مثل ذلك
فعليه أمور، كما أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؟
1- الاستعاذة بالله.
2- الانتهاء عن
ذلك، والانتهاء معناه قطع هذه الوسوسة.
3- أن يقول: آمنت
بالله، وفي رواية: آمنت بالله ورسله.
فإذا خطرت لك وسوسة
في ذات الله، أو في قدم العالم، أو في عدم نهايته، أو في أمور البعث، واستحالة ذلك،
أو في بيان الثواب والعقاب أو ما أشبه ذلك.. فعليك أن تؤمن إيمانا مجملا، فالنصوص تقول:
آمنت بالله، وبما جاء عن الله، وعلى مراد الله.. آمنت برسول الله وبما جاء عن رسول
الله، وعلى مراد رسول الله، وما علمت منه أقول به، وما جهلت أتوقف فيه وأكل علمه إلى
الله.
ولاشك أن هذه الوساوس
متى تمادى فيها العبد جرت إلى الحيرة، أو إلى الشك، وهذا مقصد الشيطان.
أما الذي يتمادى
مع هذه الوسوسة يقع في الشك، ثم في الحيرة، ثم يتخلى في النهاية عن أمور العبادة، أما
إذا قطعها منذ المرة الأولى، فإنها تنقطع إن شاء الله، مع كثرة الاستعاذة من الشيطان،
وكثرة دحر الشيطان، لأن هذا من كيده ليوسوس به الإنسان حتى يشككه في إيمانه ودينه.
الجن وعدم مقدرتهم
على التمثل بالذئب
سؤال: يعتقد كثير
من الناس أن الجن لا يستطيعون التمثل بالذئب ويخافون من رائحته وأنه مسلط عليهم فيفترسهم
في حالة مواجهتهم، ولذا يعمد كثير من الناس إلى الحصول على شيء من أثر الذئب كجلده
أو نابه أو شعره والاحتفاظ به لإبعاد الجن فهل هذا الاعتقاد صحيح وما حكم من يفعلون
هذه الأمور؟
الجواب: هكذا سمعنا
من كثير من الناس وذلك ممكن فقد ذكر لي من أثق به أن امرأة كانت مصابة بالمس وأن الجني
الذي يلابسها كان يخرج أحيانا ويحادثها وهي لا تراه ويجلس في حجرها وهي تحس به ففي
إحدى المرات كانت في البرية عند غنمها ففجأة خرج ذئب عابر فوثب الجني من حجرها ورأت
الذئب يطارده ورأته وقف في مكان فبعد ذهاب الذئب جاءت إلى موضعه فرأت قطرة من دم وبعد
ذلك فقدت ذلك الجني وتحققت أنه أكله الذئب وهناك قصص أخرى، فلا مانع من أن الله أعطى
الذئب قوة الشم لجنس الجن أو قوة النظر فيبصرهم وإن كان البشر لا يبصرهم فلعلهم بذلك
لا يتمثلون بالذئب ويخافون من رائحته فليس ذلك ببعيد وأما الاحتفاظ بجلد الذئب أو نابه
أو شعره واعتقاد أن ذلك ينفر الجن من ذلك المكان فلا أعرف ذلك ولا أظنه صحيحا وأخاف
أن يحمل ذلك عامة الجهلة على الاعتقاد في ذلك الناب ونحوه وأنه يحرس ويحفظ كما يعتقدون
في التمائم والحروز، والله أعلم.
إمكانية دخول الجني
في الإنسي ومجامعته له
سؤال: هل صحيح
أن الجني يدخل في بدن الإنسان؟ وهل يمكن أن يجامع الجني الإنسي؟
الجواب: تقدم في
السؤال الحادي عشر أن بعض الجن يتصور للإنسي في صورة امرأة ثم يجامعها الإنسي وكذا
يتصور الجني بصورة رجل ويجامع المرأة من الإنس كجماع الرجل للمرأة وعلاج ذلك التحفظ
منهم ذكورا وإناثا بالأدعية والأوراد المأثورة وقراءة الآيات التي تشتمل على الحفظ
والحراسة منهم بإذن الله ومن المشاهد أن الجني يلابس المرأة من الإنس وتغلب روحه على
روحها وأن الجنية تلابس الرجل من الإنس وتغلب روحها على روحه بحيث إذا ضرب لا يحس بالضرب
إلا الجني الملابس ومتى خرج وسئل الإنسي لم يتذكر ما مر به ولا ما قاله أو قيل له ولا
يحس بالضرب ولا الألم وهناك من القراء من يقتل الجني وهو ملابس للإنسي بنوع من القرآن
أو الأدوية ويعرفون الموضع الذي يتحجر فيه وهذا معروف عند أهل الرقى الذين اشتهروا
بالعلاج من المس ونحوه.
تسخير الجن للدخول
في بدن الإنسان وعدم الخروج إلا بشروط أمر وارد
سؤال: هل يمكن
تسخير الجن وإدخاله بدن الإنس وأن لا يخرج إلا بالإجابة على الشروط التي كلليها الساحر؟
الجواب: اشتهر
أن الساحر يعمل أعمالا شيطانية يسخر بها عددا من الجن يطيعونه ويسلطهم على من يريد
الإضرار به والدليل على ذلك أن الكثير منهم ينطقون عند القراءة والتعذيب ويعترفون بأنهم
مسخرون من الساحر الفلاني وأنهم لا يستطيعون الخروج إلا إذا أذن لهم وكثير منهم يبقون
في الإنسي حتى يموتوا من الرقية أو يقتلهم الراقي بالضرب أو الأدوية ولا يخرجون بطواعية.
ويتعللون بأن هذا الساحر سخرهم وألجأهم إلى ملابسة هذا الإنسان وأن تحت تسخيره مئات
من الجن فكلما مات أحدهم سلط آخر مكانه وعلى هذا فإن الساحر يتقرب إليهم ويذبح لهم
أو يعمل أعمالا شيطانية حتى يذلوا له ويطيعوه فمتى مات ذلك الساحر بطل عمله فإذا عرف
الساحر وثبت سحره فإنه يقتل لقوله صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربة بالسيف
"، والله أعلم.
ليس للمعالج استخدام
جني مسلم في معرفة المرض
سؤال: هل للمعالج
أن يستخدم جنيا مسلما في معرفة إذا ما كان الشخص به مس أو غير ذلك؟
الجواب: لا أرى
ذلك فإن المعتاد أن الجن إنما تخدم الإنس إذا أطاعوها ولابد أن تكون الطاعة مشتملة
على فعل محرم أو اقتراف ذنب فإن الجن غالبا لا يتعرضون للإنس إلا إذا تعرضوا لهم أو
كانوا من الشياطين، ثم إن بعض الإخوان الصالحين ذكروا أن الجن المسلمين قد يخاطبونهم
ويجيبون على أسئلة يلقونها ولا نتهم بعض أولئك الإخوان بأنهم يعملون شركا أو سحرا،
فإذا ثبت هذا فلا مانع من سؤالهم ولا يلزم تصديقهم في كل ما يقولون، والله أعلم.
إذا شعر الإنسان
أنه يجامع دون أن يكون ذلك حقيقة فقد يكون ذلك من الجن
سؤال: أعرف شخصا
يشكو أمرا وهو أنه إذا جاء للنوم يشعر وهو على فراشه بأن امرأة تجامعه، ويتكرر ذلك
معه كثيرا ويحصل منه الإنزال لذلك، وقد سأل عن ذلك فأخبره البعض أنه ربما كانت
تجامعه جنية. فهل
هذا صحيح؟ وهل يمكن أن يجامع الإنس الجن أو يتزوج منهم؟ وما حكم ذلك؟
الجواب: هذا ممكن
في الرجال والنساء، وذلك الجني قد يتشكل بصورة إنسان كامل الأعضاء ولا مانع يمنعه من
وطء الإنسية إلا بالتحصن بالذكر والدعاء والأوراد المأثورة، وقد يغلب على بعض النساء
ولو استعاذت منه حيث يلابسها ويخالطها، ولا مانع أيضا أن الجنية تظهر بصورة امرأة كاملة
الأعضاء وتلابس الرجل حتى تثور شهوته ويحس بأنه يجامعها وينزل منه المني ويحس بالإنزال،
وطريقة التحصن من شرها التحفظ والدعاء والذكر واستعمال الأوراد المأثورة والمحافظة
على الأعمال الصالحة والبعد عن المحرمات، والله أعلم.
للجن دواب تخصهم
كما للإنسان
سؤال: جاء في الحديث
عن طعام الجن قوله صلى الله عليه وسلم: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في
أيديهم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم
" فهل يعني هذا أن للجن دوابا تخصهم وما هي حقيقة تلك الدواب؟
الجواب: نعم هذا
يدل على أن للجن دوابا كما أن للإنس دوابا وقد تكون مركوبة كالإبل والخيل أو محلوبة
كالغنم والبقر، وقد تتمثل بصور دواب الإنس أو الوحش كالظباء والوعول والمركوبات ونحوها،
وكثيرا ما تختفي عن أبصار الإنس حيث إنها من جنس الجن الذين هم أجسام خفيفة يروننا
ولا نراهم، ودل الحديث أنهم كالإنس يأكلون ويشربون وكذا دوابهم تأكل وتشرب وتتغذى،
فمن غذائها بعر دواب الإنس وروثها تكون علفا لدواب الجن لذلك نهينا عن الاستنجاء بها،
والله أعلم.
تحضير الأرواح
ما هو إلا تحضير للشياطين
سؤال: يشتغل أناس
بتحضير الأرواح ويسلكون طرقا مختلفة فيعتمد بعضهم على كوب صغير أو فنجان أو حروف قد
رسمت فوق منضدة وتتكون إجابات الأرواح المستحضرة على الأسئلة الموجهة
لهم من مجموع الحروف
بحسب ترتيب تنقل الكوب أو الفنجان فيها ومنهم من يعتمد على طريقة السلة، يوضع في طرفها
قلم يكتب الإجابات على أسئلة السائلين، فهل الذي يحضر الروح-
كما يزعمون- أم
القرين أم شيطان؟ وما حكم الشرع في ذلك؟
الجواب: يقصد بالأرواح
جنس الجن الذين خلقهم الله من النار فهم أرواح بلا أجساد ويقصد بتحضيرها نداؤها وطلب
حضورها حتى تتكلم ويسمع كلامها البشر، ومعلوم أن الله قد حجبهم عنا وأن أبصارنا تخرقهم
كما قال تعالى عن إبليس:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}،
والمراد بقبيله جنسه وما كان على مثل خلقته كالملائكة والجن وقد أعطاهم القدرة على
التشكل بأجساد متنوعة فيظهرون في صور حيوانات وحشرات وهوام متعددة، ولهم قدرة على ملابسة
الإنسان كما قال تعالى: {لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يجري من ابن
آدم مجرى الدم ". فالمسلم متى تحصن بذكر الله ودعائه وتلاوة كتابه والعمل الصالح
والبعد عن الحرام فإن الله يحرسه ولا تقدر الجن على ملابسته ولا التسلط عليه إلا ما
شاء الله، وأما التحضير المذكور في السؤال فلا شك أن المحضر إما أن يكون من خدام الشيطان
الذين يتقربون إليهم بما يحبون أو يكتب حروفا غير مفهومة تحتوي على شرك أو دعاء لغير
الله فتجيبه الجن ويسمع كلامها الحاضرون والغالب أنه يحضر شخصا ضعيف العقل والدين قليل
الاهتمام بالذكر والدعاء حتى يلابسه الجني ويتكلم على لسانه ولا يفعل ذلك إلا السحرة
والكهنة ونحوهم ولا يمتنع أن يسمع الإنسان كلام الجن المسلمين كما يشاهد أنهم يوقظونه
للصلاة أو للتهجد وهو لا يراهم، والله أعلم.
هذا القول غير
صحيح
سؤال: هناك قول
مشهور بين الناس عن بعض القبائل التي لديها فراسة وقدرة على تقصي الآثار ومعرفة أصحابها
وقيل ذلك لأن أحد أجدادهم قد تزوج من الجن وهذا هو سبب اكتسابهم هذه القدرة، فما مدى
صحة ذلك؟
الجواب: هذا غير
صحيح ولا أعرف أن الإنسان يتولد بين إنسي وجني حيث إن الجن ليس لهم أجسام وإنما هم
أرواح هوائية وإن كانوا يقدرون على التشكل بأشكال منوعة، فأما هؤلاء الذين يعرفون الآثار
والأشباه فهم من أهل الفراسة وقوة الذكاء والمعرفة والفطنة والتجربة وقد جعل الله تعالى
فروقا بين الآثار ومواطئ الأقدام كما جعل فروقا ظاهرة بين الناس في الطول والقصر والسواد
والبياض والصغر والكبر، فأنت ترى مائة ألف من البشر لا تجد فيهم اثنين متشابهين في
كل الصفات، فهذا هو السبب الذي به يميز هؤلاء بين الناس ويعرفون الآثار والأشباه، والله
أعلم.
اختطاف الجن للإنس
سؤال: لقد سمعت
قصصا كثيرة عن اختطاف الجن للإنس وقد قرأت قصة مفادها أن رجلا من الأنصار رضي الله
عنهم خرج يصلي العشاء فسبته الجن وفقد أعواما، فهل هذا الأمر ممكن أعني اختطاف الجن
للإنس؟
الجواب: يمكن ذلك
فقد اشتهر أن سعد بن عبادة قتلته الجن لما بال في جحر فيه منزلهم فقالوا: نحن قتلنا
سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده، ووقع في خلافة عمر أن رجلا اختطفته
الجن وبقي أربع سنين ثم جاء وأخبر أن جنا من المشركين اختطفوه فبقي عندهم أسيرا فغزاهم
جن مسلمون فهزموهم وردوه إلى أهله. ذكر ذلك في منار السبيل وغيره، والله أعلم.
محاكمة الجني للإنسي
سؤال: سمعنا من
أحد الثقات ممن يقرؤون بالرقى الشرعية أنه أثناء قراءته على مريض به مس مات الجني المتلبس
به، فرأى نفسه يحاكم بسبب ذلك من الجن وأنه تخلص من ذلك بشهادة أحد الجن له بأنه
كان يذكر اسم الله
عند علاجه وأنذر الجني قبل أن يشد عليه بالقراءة فخلي سبيله، فهل هذا الأمر ممكن؟
الجواب: يمكن ذلك
فإن أهالي ذلك الجني قد يحاكمونه إذا قتل أخاهم أو قريبهم كما لو أضر أحدهم ولم يذكر
اسم الله عليه فإذا تحاكموا عند قضاتهم المسلمين وكان الجني هو المتسلط المعتدي والإنسي
عالجه بالرقية وذكر اسم الله أو بأية علاج يخرج به، فإنهم يحكمون ببراءة الإنسي ويهدرون
دم الجني لاعتدائه وظلمه، والله أعلم.
إمكانية تهديد
الجني للراقي عن طريق الهاتف أو غيره
سؤال: يذكر أحد
القراء أنه بعد معالجته لإحدى حالات المس وخروج الجني من جسد الإنسي، اتصل به مساء
ذلك اليوم نفس الجني الذي أخرجه بقصد إزعاجه، فهل هذا الأمر ممكن؟
الجواب: نعم يمكن
ذلك فإن الجن لهم تسلط على الإنس ومتى تمكنوا من الإزعاج فعلوه، ويكثر تأثر الذين يعالجون
الجن بتهديدهم وإضرارهم أو إضرار أقاربهم لكن متى تحصنوا بالقرآن والأوراد والأدعية
والعلاجات الواقية لم يقدروا عليهم ولم يضروهم بإذن الله، وهناك أدعية معروفة تحصن
من شرهم كما يعرف ذلك من يشتغل بالرقية وعلاج المس. والله أعلم.
لا يمكن للبشر
العادي رؤية الجني
سؤال: هل يمكن
أن يظهر الجني للإنسان بصورته التي خلقه الله عليها؟
الجواب: لا يمكن
ذلك للبشر العادي فإن الجن أرواح بلا أجساد فأرواحهم خفيفة يخرقها البصر قال الله تعالى:
{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}، كما أنا لا نرى
الملائكة الذين هم معنا يكتبون الأعمال ولا نرى الشيطان الذي يجري في جسد ابن آدم مجرى
الدم، لكن إذا خص الله تعالى بعض البشر بخاصية النبوة فإنه يرى الملك كما كان النبي
صلى الله عليه وسلم يرى جبريل إذا نزل عليه ولا يراه من حوله من الناس، وأما الكهنة
ونحوهم فإن الجني قد يلابس أحدهم ثم يريه بعض أفراد الجن بحيث يقول: جاء الجن إلى فلان
فليس الإنسان هو الذي يراه وإنما الجني الملابس له هو الذي يراه ويخبر من حوله، والله
أعلم.
بعض السحرة والمشعوذين
يستطيعون رؤية الجن لأنهم خدموا الجن
سؤال: هل صحيح
أن هناك أشخاصا يستطيعون أن يعاينوا من أرادوا ومتى أرادوا؟
الجواب: أما جنس
الإنسان فإنه لا يستطيع أن يرى جنس الجن رؤية حقيقية على هيئتهم التي خلقوا عليها،
ولكن بعض السحرة والكهنة تلابسهم الشياطين وتتكلم على ألسنتهم وترى الجن كما هم وعند
ذلك يخبر ذلك الإنسي الذي لابسه الجني بأنه يرى الجن وأنهم حضروا وذهبوا وجاءوا وهم
أولئك ومن حوله من الإنس لا يرون شيئا، ولابد أنهم قد خدموا الجن أو الشياطين حتى أظهرت
لهم ما لا يراه غيرهم ويمكن أن يكون بعض الأتقياء والصالحين يكشف لهم عند الوفاة عن
الملائكة الذين ينزلون لقبض روحه، وقد حكي عن كثير من أهل التقى والصلاح في ذلك حكايات
كثيرة، والله على كل شيء قدير.
حكم من يحضر الجن
لاستخراج كنوز مدفونة
سؤال: هناك من
يحضر الجن بطلاسم يقولها ويجعلهم يخرجون له كنوزا مدفونة في أرض القرية منذ زمن بعيد
فما حكم هذا العمل؟
الجواب: هذا العمل
ليس بجائز فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في
الغالب والشرك أمره خطير قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ
اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}،
والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم، يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق، ويغرهم بما يعطيهم من
الأموال فالواجب مقاطعة هؤلاء وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم وأن يحذر إخوانه المسلمين
من الذهاب إليهم، والغالب في أمثال هؤلاء أنهم يحتالون على الناس ويبتزون أموالهم بغير
حق ويقولون القول تخرصا ثم إن وافق القدر أخذوا ينشرونه بين الناس ويقولون نحن قلنا
وصار كذا ونحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوى باطلة أنها هي التي منعت هذا
الشيء، وإني أوجه النصيحة إلى من ابتلي بهذا الأمر وأقول لهم: احذروا أن تمتطوا الكذب
على الناس والشرك بالله عز وجل وأخذ أموال الناس بالباطل، فإن أمد الدنيا قريب والحساب
يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل وأن تصححوا أعمالكم
وتطيبوا أموالكم، والله الموفق.
حقيقة الجن وتأثيرهم
وعلاج ذلك
سؤال: هل للجن
حقيقة؟ وهل لهم تأثير؟ وما علاج ذلك؟
الجواب: أما حقيقة
حياة الجن فالله أعلم بها ولكننا نعلم أن الجن أجسام حقيقية وأنهم خلقوا من النار وأنهم
يأكلون ويشربون ويتزاوجون ولهم ذرية كما قال الله تعالى في الشيطان: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ
وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ}، وأنهم مكلفون بالعبادات
فقد أرسل إليهم النبي عليه الصلاة والسلام وحضروا واستمعوا القرآن الكريم كما قال الله
تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا
سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ
بِرَبِّنَا أَحَداً}، وكما قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ
يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا
إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ
مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى
طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ}، إلى آخر الآيات. وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال
للجن الذين وفدوا إليه وسألوه الزاد قال: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه
أوفر ما يكون لحما "، وهم - أعني الجن- يشاركون الإنسان إذا أكل ولم يذكر اسم
الله على أكله ولهذا كانت التسمية على الأكل واجبة وكذلك على الشرب كما أمر بذلك النبي
صلى الله عليه وسلم.
وعليه فإن الجن
حقيقة واقعة وإنكارهم تكذيب للقرآن الكريم وكفر بالله عز وجل وهم يؤمرون وينهون ويدخل
كفارهم النار كما قال الله تعالى:{قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم
مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا}،
ومؤمنهم يدخل الجنة أيضا لقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ
* فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاء
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، والخطاب للجن والإنس، وبقوله تعالى:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ
لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ}، إلى غير
ذلك من الآيات والنصوص الدالة على أنهم مكلفون يدخلون الجنة إذا آمنوا ويدخلون النار
إذا لم يؤمنوا.
أما تأثيرهم على
الإنس فإنه واقع أيضا فإنهم يؤثرون على الإنس إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم
وإما أن يؤثروا عليه بالترويع والإيحاش وما أشبه ذلك.
والعلاج من تأثيرهم
بالأوراد الشرعية مثل (قراءة آية الكرسي) [البقرة: 255] فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة
لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
الطرق التي يؤذي
بها الجني الإنسي وكيفية الوقاية منها
سؤال هل للجن تأثير
على الإنس وما طريق الوقاية منهم؟
الجواب: لاشك أن
الجن لهم تأثير على الإنس بالأذية التي قد تصل إلى القتل وربما يؤذونه برمي الحجارة
وربما يروعون الإنسان إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنة ودل عليها الواقع،
فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات-
وأظنها غزوة الخندق- وكان شابا حديث عهد بعرس، فلما وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب
فأنكر عليها ذلك فقالت له: ادخل فدخل فإذا حية ملتوية على الفراش وكان معه رمح فوخزها
بالرمح حتى ماتت وفي الحال- أي الزمن الذي ماتت فيه الحية- مات الرجل فلا يدري أيهما
أسبق موتا الحية أم الرجل فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان
التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفتين وقال: "إن بالمدينة جنا قد أسلموا،
فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان
".
وهذا دليل على
أن الجن قد يعتدون على الإنس وأنهم يؤذونهم كما أن الواقع شاهد بذلك، فإنه قد تواترت
الأخبار واستفاضت بأن الإنسان قد يأتي إلى الخربة فيرمى بالحجارة وهو لا يرى أحدا من
الإنس في هذه الخربة وقد يسمع أصواتا وقد يسمع حفيفا كحفيف الأشجار، وما أشبه ذلك مما
يستوحش به ويتأذى به. وكذلك أيضا قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي إما بعشق أو لقصد الإيذاء
أو
لسبب آخر من الأسباب،
ويشير إلى هذا قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ
كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، وفي هذا النوع قد
يتحدث الجني من باطن الإنسي نفسه ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم وربما
يأخذ القارئ عليه عهدا ألا يعود، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار
وانتشرت بين الناس وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شر الجن أن يقرأ الإنسان ما جاءت
به السنة مما يتحصن به منهم مثل آية الكرسي، فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليلة
لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، والله الحافظ.
حكم دخول الجني
الإنسي
سؤال: هل هناك
دليل على أن الجن يدخلون الإنس؟
الجواب: نعم هناك
دليل من الكتاب والسنة، على أن الجن يدخلون الإنس، فمن القرآن الكريم قوله تعالى :
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}.
قال ابن كثير رحمه
الله لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه، وتخبط الشيطان
له.
ومن السنة قوله
صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".
وقال الأشعري في
مقالات أهل السنة والجماعة: إنهم- أي أهل السنة- يقولون: إن الجني يدخل في بدن المصروع،
واستدل بالآية السابقة.
وقال عبد الله
ابن الإمام أحمد: قلت لأبي: إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي، قال: يا
بني، يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه.
وقد جاءت أحاديث
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها الإمام أحمد والبيهقي، أنه أتي بصبي مجنون فجعل
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اخرج عدو الله، أنا رسول الله "، فبرأ الصبي.
فأنت ترى أن في
هذه المسألة دليلا من القرآن الكريم ودليلين من السنة، وأنه قول أهل السنة والجماعة
وقول أئمة السلف، والواقع يشهد به ومع هذا لا ننكر أن يكون للجنون سبب آخر من توتر
الأعصاب واختلال المخ وغير ذلك.
مس الجن وعلاجه
بسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله الذي خلق الجن والإنس ليعبدوه، وشرع لهم ما تقتضيه حكمته ليجازيهم
بما عملوه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وكان الله
على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث إلى الإنس والجن بشيرا ونذيرا،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن
رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ}.
والجن عالم غيبي
خلقوا من نار، وكان خلقهم قبل خلق الإنس، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا
الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ
مِن نَّارِ السَّمُومِ}، وهم مكلفون، يوجه إليهم أمر الله تعالى ونهيه، فمنهم المؤمن،
ومنهم الكافر، ومنهم المطيع ومنهم العاصي، قال الله تعالى عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ
وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا
الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً}، وقال:{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ
وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً}، أي جماعات متفرقة وأهواء، كما يكون
ذلك في الإنس، فالكافر منهم يدخل النار بالإجماع، والمؤمن يدخل كالإنس، قال الله تعالى:
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}،
والظلم بينهم وبين الإنس محرم، كما هو بين الآدميين، لقوله تعالى في الحديث القدسي:
"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " رواه
مسلم. ومع هذا فهم يعتدون على الإنس أحيانا، كما يعتدي الإنس عليهم أحيانا، فمن عدوان
الإنس عليهم أن يستجمر الإنسان بعظم أو روث، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه
أن الجن سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الزاد فقال: الكم كل عظم ذكر اسم الله عليه،
يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم"، قال النبي صلى الله
عليه وسلم: "فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم ".
ومن عدوان الجن
على الإنس أنهم يتسلطون عليهم بالوسوسة التي يلقونها في قلوبهم، ولهذا أمر الله تعالى
بالتعوذ من ذلك فقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ
* مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ
* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }، وتأمل كيف قال الله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
} فبدأ بذكر الجن، لأن وسوستهم أعظم، ووصولهم إلى الإنس أخفى.
فإن قلت: كيف يصلون
إلى صدور الناس فيوسوسون فيها؟
فاستمع الجواب
من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لرجلين من الأنصار: "إن الشيطان
يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا- أو قال: شيئا
"، وفي رواية: " يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم ".
ومن عدوان الجن
على الإنس أنهم يخيفونهم، ويلقون في قلوبهم الرعب، ولاسيما حين يلتجئ الإنس إليهم،
ويستجيرون بهم، قال الله تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ
بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً}، أي خوفا وإرهابا وذعرا. ومن عدوان
الجن على الإنس أن الجني يصرع الإنسي فيطرحه، ويدعه يضطرب حتى يغمى عليه، وربما قاده
إلى ما فيه هلاكه من إلقائه في حفرة أو ماء يغرقه، أو نار تحرقه، وقد شبه الله تعالى
آكلي الربا عند قيامهم من قبورهم بالمصروع الذي يتخبطه الشيطان، قال الله تعالى: {الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ
مِنَ الْمَسِّ}، قال ابن جرير: وهو الذي يتخبطه فيصرعه، وقال ابن كثير: إلا كما يقوم
المصروع حال صرعه، وتخبط الشيطان له، وقال البغوي: يتخبطه الشيطان أي يصرعه، ومعناه
أن آكل الربا يبعث يوم القيامة كمثل المصروع.
وروى الإمام أحمد
في مسنده (4/ 171- 172)، عن يعلى بن مرة رضي الله عنه أن امرأة أتت النبي صلى الله
عليه وسلم بابن لها قد أصابه لمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخرج عدو الله،
أنا رسول الله "، قال: فبرأ الصبي، فأهدت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كبشين
وشيئا من أقط وسمن، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الأقط والسمن وأحد الكبشين، ورد
عليها الآخر، وإسناده ثقات، وله طرق قال عنها ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية):
فهذه طرق جيدة متعددة، تفيد غلبة الظن أو القطع عند المتبحرين أن يعلى بن مرة حدث بهذه
القصة في الجملة.
قال ابن القيم
يرحمه الله تعالى- وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية البارزين- في كتابه (زاد المعاد)
(4/ 66): الصرع صرعان: صرع من ا لأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة،
والثاني هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه، وأما صرع ا لأرواح فأئمتهم (أي
ا لأطباء) وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه، وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن
يعتقد الزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع،
وليس معهم إلا الجهل وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهدان
به، ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم.
أيها الناس إن
للتخلص من هذا النوع من الصرع أمرين: وقاية وعلاج:
فأما الوقاية فتكون
بقراءة الأوراد الشرعية من كتاب الله تعالى، وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبقوة النفس وعدم الجريان وراء الوساوس والتخيلات التي لا حقيقة لها، فإن جريان الإنسان
وراء الوساوس والأوهام يؤدي إلى أن تتعاظم هذه الأوهام والوساوس حتى تكون حقيقة.
وأما العلاج أعني
علاج صرع الأرواح، فقد اعترف كبار الأطباء أن الأدوية الطبيعية لا تؤثر فيه، وعلاجه
بالدعاء والقراءة والموعظة، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يعالج بقراءة آية الكرسي والمعوذتين،
وكثيرا ما يقرأ في أذن المصروع:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ
إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}، قال تلميذه ابن القيم: حدثني أنه قرأ مرة هذه الآية في
أذن المصروع فقالت الروح: نعم ومد بها صوته: قال: فأخذت له عضا وضربته بها في عروق
عنقه حتى كلت يدي من الضرب، كم وفي أثناء ذلك قالت: أنا أحبه فقلت لها: هو لا يحبك،
قالت: أنا أريد أن أحج به، فقلت لها: هو لا يريد أن يحج معك، قالت: أنا أدعه كرامة
لك، قلت: لا ولكن طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأنا أخرج، فقعد المصروع
يلتفت يمينا وشمالا، وقال: ما جاء بي إلى حضرة الشيخ. هذا كلام ابن القيم يرحمه الله
عن شيخه.
وقال ابن مفلح
في كتاب: (الفروع)، وهو من تلاميذ شيخ الإسلام أيضا: كان شيخنا إذا أتي بالمصروع وعظ
من صرعه، وأمره ونهاه، فإن انتهى وفارقا المصروع أخذ عليه العهد أن لا يعود، وإن لم
يأتمر ولم ينته ولم يفارق ضربه حتى يفارقه، والضرب في الظاهر على المصروع، إنما يقع
في الحقيقة على من صرعه. !؟ وأرسل الإمام أحمد إلى مصروع ففارقه الصارع، فلما مات أحمد
عاد إليه. وبهذا تبين أن صرع الجن للإنس ثابت بمقتضى دلالة الكتاب والسنة والواقع،
وأنكر ذلك المعتزلة! ولولا ما أثير حول هذه المسألة من بلبلة وجدال أدى إلى جعل كتاب
الله تعالى دالا على معان تخيلية لا حقيقة لها، ولولا أن إنكار هذا يستلزم تسفيه أئمتنا
وعلمائنا من أهل السنة، أو تكذيبهم- أقول: لولا هذا وهذا ما تكلمت في هذه المسألة لأنها
من الأمور المعلومة بالحس والمشاهدة، وما كان معلوما بالحس والمشاهدة لا يحتاج إلى
دليل، لأن الأمور الحسية دليل بنفسها وإنكارها مكابرة أو سفسطة، فلا تخدعوا أنفسكم،
ولا تتعجلوا، واستعيذوا بالله من شرور خلقه من الجن والإنس، واستغفروه وتوبوا إليه،
إنه هو الغفور التواب الرحيم.
تأثير الإنس على
الجن
سؤال: شخص يسأل
عن تأثير الجن على الإنس أو الإنس على الجن وعن تأثير عين الحاسد في المحسود؟
الجواب: تأثير
الجن على الإنس والإنس على الجن وتأثير عين الحاسد في المحسود كل ذلك واقع ومعروف،
لكن ذلك كله بإذن الله سبحانه وتعالى الكوني القدري لا إذنه الشرعي، أما ما يتعلق بتأثير
عين الحاسد في المحسود فهو ثابت فعلا وواقع في الناس وقد صح عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال:" العين حق ولو أن شيئا سبق القدر سبقته العين"، وقال صلى الله
عليه وسلم:" لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ"، والأحاديث في هذا كثيرة
نسأل الله العافية والثبات على الحق، وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على عبده ورسوله
محمد وآله وصحبه.
الجن تتسلط على
الإنس وتأمرهم بأمور منافية للشرع
سؤال: من الناس
من تلبس بهم الجن فيقال عليه أسياد أو عليه شيخ ويكون من الجان، وقد يكون كافرا أو
نصرانيا فيأمر المتلبس بأشياء مخالفة للشرع مثل عدم الصلاة أو بعمل أشياء لا يطيقها
وإن لم
يفعل فإنهم يعذبونه،
ما هي الطريقة الشرعية للتخلص من هؤلاء؟
الجواب: مس الجن
الإنسان أمر واقع وإذا أمر الجني من مسه بمحرم وجب على المصاب أن يتمسك بشرع الله وأن
يعصي الجني في أمره بمعصيته الله وإن آذاه الجني، وعليه أن يتعوذ بالله من شره ويحصن
نفسه بقراءة القرآن وبالتعوذات الشرعية وبالأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم،
منها الرقية بقراءة سورة الفاتحة ومنها قراءة سورة "قل هو الله أحد" والمعوذتين،
ثم ينفث في يديه ويمسح بهما وجهه وما استطاع من بدنه ثم يقرأ هذه السور الثلاث مرة
ثانية وينفث في يديه ويمسح بهما وجهه وما استطاع من بدنه ثم يقرؤها مرة ثالثة وينفث
في يديه ويمسح بهما وجهه وما استطاع من بدنه، إلى غير ذلك من الرقية بسور القرآن وآياته
وبالأذكار الثابتة مع اللجوء إلى الله في طلب الشفاء والحفظ من شياطين الجن والإنس،
وارجع إلى كتاب الكلم الطيب لابن تيمية وكتاب الوابل الصيب لابن القيم والأذكار للنووي
ففيها بيان كثير من أنواع الرقية، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اعتداء الجن على
الإنس وطرق الحماية منهم
سؤال: سائل يقول:
في ليلة من الليالي ذهب أخي البالغ من العمر (15 سنة) يمشي على أقدامه في واد من بوادي
الجنوب فقال إنه وجد جسما تمثل له بأنه قطة ويقول إن هذا الجسم مشى معه مسافة ما يقارب
كيلو، وقد حصل له اشتداد في الأعصاب وتلاصقت فكاكا قال: وصار هذا الحيوان يمشي معي
مرة عن يميني وتارة عن شمالي ومرة خلفي وأخرى أمامي، وقال: إنه حاول مرات كثيرة أن
يذكر الله
ولم يستطع ثم قال:
إنه حاول أن يتحرك بعمل يبعد هذا الجسم عنه ولكنه كذلك لم يستطع، ثم اختفت فجأة حسب
قوله ثم واصل سيره حتى وصل البيت وبقي مدة تقدر بأسبوعين مصابا باضطراب في الأعصاب
والفكر، ثم جاء له بعدها صرعة وقد نقلته إلى الدمام وذهبت به إلى المستشفى ولكن بعض
الأصدقاء قالوا لي: إن أخاك مصاب بمرض جنون وهو فعلا قد رأى الجن- هذا كلامهم لي- ولا
ينفع فيه علاج
المستشفى وإنما يلزمك الذهاب إلى طبيب عربي.
وعلى أثر ذلك أجبرت
من مرض أخي وذهبت به إلى شخص في الدمام قال إنه يعالج أمراض الجن، وعندما وصلنا إليه
أجلس الولد أمامه وصار يهلل ويصلي على النبي بصوت مرتفع، ثم يقول كلمات بصوت منخفض
لا ندري ماذا يقول، ثم وضع ماء في فنجان وقرأ على الماء الفاتحة وبعض الكلمات لم أسمعها
وأسقاه الولد ثم أعطانا لبانا وقال- يقصد الولد- تبخر بهذا اللبان، بإشرافنا ثم عدنا
له مرة أخرى وقرأ على الولد مثل ما قرأ المرة السابقة وقال مثل ما قال ثم قال: استمروا
عندي ست جلسات كل أسبوع جلسة وبعدها نكتب اسمه لدينا ونشوف هل له علاج عندنا أم لا؟
ثم قال: إننا نطالع الولد وهو يتبخر ثم إننا نطالع الذي في نجران وأبها وعدد مناطق
كثيرة وقال إنه يعلم المريض الذي في الكويت، هذا ومن جهة أخرى فهو لا يأخذ فلوسا سوى
الذي يعطيه الفرد دون أن يطلب، هذا ومن ناحية صحة الولد فقد تحسنت بإذن الله سبحانه
وتعالى، كذلك أنا ولله الحمد عقيدتي راسخة بإذن الله رسوخ الجبال وليس لدي أدنى شك
بأن النافع والضار هو الله وحده دون سواه، وإنما ذهابي إلى هذا الشخص ليس اعتقادا مني
في أنه سيشفي أخي، بل اعتقادي في ذلك الوقت وفي كل وقت بأنه لن يشفي أخي إلا الله سبحانه
وتعالى، آمل من سماحتكم إرشادي أولا: ماذا أعمل هل أداوم بمراجعة أخي لهذا الشخص أم
تنصحونني بغير ذلك؟
ثانيا: ما صحة
علاج هذا الشخص للناس بهذه الطريقة من الناحية الشرعية؟
الجواب: إذا كان
الواقع كما ذكر فالذي بأخيك مس من الجن، وعلاجه بالرقى الشرعية من تلاوة القرآن كسورة
الفاتحة و" قل هو الله أحد" و"قل أعوذ برب الفلق " و"قل أعوذ
برب الناس" وآية الكرسي، وغيرها من سور القرآن وآياته، والأذكار والأدعية النبوية
الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل:أ أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان
وهامة، ومن كل عين لامة، ومثل:" أذهب البأس، رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء
إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما"، وارجع إلى كتاب الكلم الطيب لابن تيمية، والوابل
الصيب لابن القيم، والأذكار النووية للنووي لتعلم منها الأذكار والأدعية التي تناسب
مرض أخيك لتقرأ بها عليه أو يقرأها على نفسه، وننصحك ألا تعود إلى ذلك الرجل أو مثله
لعلاج أخيك أو غيره، فإنه وإن أصاب في قراءة الفاتحة إلا أنه تكلم معها بكلمات أسرها،
إخفاء لها على ماء في الفنجان وسقاه الماء فقد يكون ما تكلم به سرا تعويذات شيطانية
واستعانة بالجن وهذا من الكهانة، وقد نهى النبي غ!ط عن الإتيان إلى الكهان، وفي الرقية
الشرعية غنى عن الإتيان إلى الكهان شفى الله أخاك وثبتنا وإياكم على الحق، وصلى الله
على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ