الفقيه معالج بالرقية Admin
عدد المساهمات : 1115 تاريخ التسجيل : 02/06/2009 العمر : 67
| موضوع: الجزء الثاني من الفصل الثالث الأحد 14 مارس 2010 - 19:55 | |
| ][b]الطب النبوي قال ابن القيم رحمه الله: وقد أتينا على جمل من هديه r في المغازي والسير والبعوث والسرايا، والرسائل، والكتب التي كتب بها إلى الملوك ونوابهم. ونحن نتبع ذلك بذكر فصول نافعة في هديه في الطب الذي تطبب به، ووصفه لغيره، ونبين ما فيه من الحكمة التي تعجز عقول أكثر الأطباء عن الوصول إليها، وأن نسبة طبهم إليها كنسبة طب العجائز إلى طبهم، فنقول وبالله المستعان، ومنه نستمد الحول والقوة: المرض: نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان، وهما مذكوران في القرآن. ومرض القلوب: نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي، وكلاهما في القرآن. قال تعالى في مرض الشبهة: }فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا{ [البقرة: 10] وقال تعالى: }وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً{ [المدثر: 31] ، وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن والسنة، فأبى وأعرض: }وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [النور: 48 و 49] ، فهذا مرض الشبهات والشكوك. وأما مرض الشهوات، فقال تعالى: }يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ{ [الأحزاب: 32] : فهذا مرض شهوة الزنى، والله أعلم.
فصل وأما مرض الأبدان، فقال تعالى: }لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ{ [النور: 61]. وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمة القرآن، والاستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: 1- حفظ الصحة، 2- والحمية عن المؤذي، 3- واستفراغ المواد الفاسدة، فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة. فقال في آية الصوم: }فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{ [البقرة: 184]، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض، وللمسافر طلباً لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركة، وما يوجبه من التحليل، وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل، فتخور القوة، وتضعف، فأباح للمسافر الفطر حفاظاً لصحته وقوته عما يضعفها. وقال في آية الحج: }فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ{ [البقرة: 196]. فأباح للمريض، ومن به أذى من رأسه، من قمل، أو حكة، أو غيرهما، أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغاً لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر، فإذا حلق رأسه، تفتحت المسام، فخرجت تلك الأبخرة منها، فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه. (والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة): الدم إذا هاج، والمني إذا تبيغ، والبول، والغائط، والريح، والقيء، والعطاس، والنوم، والجوع، والعطش. وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحسبه. وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها، وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب من، كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى. وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء: }وَإِنْ كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا{ [النساء: 43]، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج، فقد أرشد - سبحانه - عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده، ونحن نذكر هدي رسول الله r في ذلك، ونبين أن هديه فيه أكمل هدي. فأما طب القلوب، فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى يديه، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها، وفاطرها، وبأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا صحة لها ولا حياة ألبتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم، فغلط ممن يظن ذلك، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية، وصحتها وقوتها، وحياة قلبه وصحته، ووقته عن ذلك بمعزل، ومن لم يميز بين هذا وهذا، فليبك على حياة قلبه، فإنه من الأموات، وعلى نوره، فإنه منغمس في بحار الظلمات.
| |
|